الخميس، 12 يناير 2017
1:55 ص

الدنيا مصالح ولا احد صالح

التقينا يوما جمعتنا المصالح،  لم تكن طريقي طريقه؛ ولكنها المصلحة اُعجبت بتفكيره وهو كذلك ، وكان اعجابا عقليا ولم تكن بيننا عواطف ، ذهبنا وعشنا معا، ودخلنا المطاعم والصالات وجمعتنا فنادق وزرنا دول ، من كان يرانا يعتقد أننا زوجان عواطفنا جياشة ولم نكن كذلك ، وذات يوم ونحن على مائدة طعام قال لي : طالما أننا متفقون في التفكير ولدينا مصالح مشتركة لماذا لا نتزوج؟، قلت له : نتزوج ؟، قال نعم هل لديك مشكلة ؟، قلت له ولكن فؤادي خاو، فكيف يكون الزواج؟ ، قال: تقصدين الحب ؟ ، قلت : نعم، كيف سيجمعنا سقف واحد وفراش واحد ومشاعرنا مادية مصلحية؟، قال : وهل تعتقدين أن أبي وأبيك وأمي وأمك تزوجا بعد قصة حب ، وأن ملايين البشر من الازواج كانت خلفيات زواجهم حب وعشق، هو أنت فاكرة الدنيا ( روميو وجوليت) هذا تفكير مراهق ، نحن ما يجمعنا أكبر من الحب ، أتركيه للصغار، مصالحنا وطرق تفكيرنا وحدها تكفي ، وقد يأتي الحب فيما بعد.
 قلت له دعني أفكر قليلا من الوقت ، فالزواج ليس صفقة تجارية ولا ندوة سياسية ، الزواج حياة وعشرة وأولاد ، قال: لا تضيعي الوقت ، واترك الامر للأيام ، قلت له : لا لا أنا امرأة ، و المرأة في هذا الموضوع بحاجة للتفكير ، لن أطيل وأنا افكر ، أتركني أياما قليلة وسنلتقي معا.
 حملت حقيبتي ولوحت بيدي وقلت له (باي باي) ، قال (باي)، غادرت المكان وركبت في سيارتي وعيني عليه ، ووجدته قد انشغل في لملمة أوراقه وحساب الندل في المطعم ولم يلتفت نحو، ذهبت وأنا مشغولة بفكري وبنفسي ، وبت بين الطريق وبين طرحه للزواج ، وقلت في نفسي : نعم متفقان في الفكر وفي المصلحة ولكن قلبي فارغ لا افكر فيه زوجا، هنا هاتفني عقلي يا هانم بلغت من العمر الثلاثين وفي الثلاثين لا يدق الباب أحد ، القلب ارتجف وقال : والحب أين ؟ قلت : يأتي مع الأيام ، يا أيها القلب العمر يمضي ، والدنيا شغلتني ، وأريد من يسندني ويقف إلى جواري ، ولد يؤنس سنوات عمري ، قال: العقل كلام عاقل وتفكير راجح ، اقدمي لا تترددي ، مضت الليلة والليلتان وأنا على حالي حتى كاد التفكير يقتلني ، لم أذق طعم النوم ، ولم اتناول طعام ، وبقيت حبيسة البيت ، لم أنظر إلى مرآتي ولم اضع المشط في رأسي ، ولا مكياج على وجهي ، انطلقت مسرعة إلى الحمام نظرت في المرآة ، سألت من ؟ أأنا من يظهر في المرآة ؟ مسحتها بيدي عل أصابها بعض الغبش ، ثم نظرة ثانية لم يتغير شيء، معقول أأنا!!، يا إلاهي ، لم انتظر ، دخلت الحمام وأخذت دش ساخن وارتديت احسن ما عندي من ثياب بعد أن وضعت المكياج على وجهي وأنا خبيرة التجميل ، وانطلقت مسرعة بعد أن هاتفته وحددت موعدا للقاء مكانا وزمانا، كنت على أحسن ما تكون عليه مرأة ، نزلت من سيارتي وجدته قد سبقني للمكان ، وما أن جلست حتى قال : كم انت جميلة ، أرى في عينيك حيوية وجسدك رشاقة وفيهما بريق وحياة، انتظرت أن يلفظ كلمة عن المشاعر ، عن الحب ، ولكن لم يفعلها ، ثم قال : هل فكرتي ؟ ، قلت وكأني نسيت ما يريد ، فيما افكر ، قال : ألم تمهلي نفسك يومين للتفكير فيما عرضت ، أهي صفقة تجارية جديدة أم ندوة سياسية ؟ هل نسيتي؟ عن أي شيء تتحدث ، لا تحيرني ، ألم طلب منك في هذا المكان وعلى هذه الطاولة من يومين أمرا ما؟، قلت وأنا الكاذبة : اتقصد الزواج ، قال نعم ، في نفسي قلت: أمر حسمته وأنا اغادر المكان ، نلتقي كثيرا ونتحدث أكثر ، وربما نتحدث اكثر من كل الازواج ، فإذا كنت تريد الزواج فلا مانع لدي ولن يتغير من الامر شيء، سواء تزوجنا أو بقيت صداقتنا ، اتحدث وكأن في ظاهري برودة عالية جدا، وفي داخلي نار تشتعل؛ ولكنه التصنع ، فقد يكون غير رأيه ، أعرض عن الفكرة ، فكثير من الصفقات التجارية تقف عند دفع المال وتفشل، نظر نحو وقال : اراك صامته، كذبت مرة أخرى ، وقلت : أنتظر منك جوابا، لم ينطق بكلمة ونهض وقال : المحكمة ليست بعيدة من هنا، ورفع هاتفه واتصل ، قلت : بمن تتصل؟، قال : بالشهود ، ابتسمت ورددت اغنية فايزة أحمد ( يما القمر على الباب ،نور اقناديوا ، خبط وقال يا احباب ردوا على الخطاب ، يما ارد الباب والا اناديلوا، يما بقالوا زمان واقف على ببنا) شعرت شعورا لم اشعر به من قبل خوف ممزوج بفرح ، فجأة قال : انزلي نحن على باب المحكمة ، وإذا بصديقينا خالد وعمر وما أن شاهدانا حتى قالوا مبارك وأخيرا ، ابتسمنا جميعا ودخلنا عند المأذون وكتبنا الكتاب وغادرنا مع إصرار الصديقين على تناول طعام الغداء في مكان راق وما اكثر الاماكن الراقية التي ستجمعنا. 
 غادرنا المحكمة وبصحبة الصديقين وتناولنا طعام الغداء على شرفيهما ، واتفقنا معا على اللقاء في المساء لقاء عمل ، ولكن عمل من نوع آخر، عمل نضع فيه خطوطا للمرحلة القادمة من حياتنا التي لم تعد مصالح فقط وإن كان الامر لم يختلف لكيلينا، التقينا على طاولة في جو رومانسي ، الطاولة انوارها خافته وعليها الورود بألوانها الزاهية المتعددة ، جلسنا والتقت العيون ولأول مرة تمتد يدي ليده ، لامسته ولمسني ولم يكن اللمس كما يصف العشاق ، لم يهتز بدني ، ولم اشعر بخفقان قلبي، كانت الامور أكثر من عادية كثيرا، قلت له بماذا تفكر؟، وكيف سيكون الفرح؟ وأين المكان ؟ ومن الحضور؟، ابتسم ، وقال لها لا تقلقي سنرتب الامور كلها، قلت : معك ورقة؟، قال : ولماذا الورقة؟ هي مشروع تجاري؟، ابتسمنا وعدنا نمسك الايدي ، قال: سيكون الفرح في قاعة الف ليلة وليلة، وستحييه الراقصة كوثر والمطرب عكاشة ، والحضور اصدقاء العمل والعمر بحيث لا يزيد عددهم عن 000 والباقي لا علاقة لنا بهم ، اتفقنا ... اتفقنا، شربنا القهوة وغادرنا المكان، على وعد اللقاء في اليوم التالي لنسجل الحضور، التقينا وجهزنا كشف الحضور واتفقنا على شكله ورتبنا كافة الامور على أن يكون يوم الزواج في الأول من الشهر الاول من العام القادم والذي لم يفصلنا عنه إلا أيام قلائل.
 كانت ليلة باردة وتناولنا فيها قبل ان نغادر البوظة ، وغادرنا ، وفي الطريق نسيت أن أقول له ستكون معيشتنا في بيتي ، وما أن وصلت البيت رفعت سماعة الهاتف واتصلت فرد ، فقد وصل عمار، قال : نعم : الهام، هل نسيت شيء، قلت: نعم ، قال : وأي شيء نسيتين؟ ، قلت: نسيت اقول لك بأننا سنعيش في بيتي، قال لا تقلقي ، في الصيف في بيتك على شاطئ البحر والشتاء في بيتي وسط البلد، ماذا تقولين الهام ؟، قلت: شاطر عمار مناصفة، ابتسمنا وخرجت مني قبلة لقاء لا وداع.
 وكان الفرح ، وأنتهى على خير وحملني حيث اتفقنا ، وكان اللقاء الاول في بيته، وما أن دخلت غرفة نومه حتى تاه عقلي بالتفكير ، وقلت في نفسي ؛ هل أنا أول امرأة تنام على السرير أم سبقني الكثير؟، الهام ماذا تقولين؟ أجننتي؟ أهكذا تفكرين في الليلة الاولى، فكيف سيكون تفكيرك بعد شهر أو عام ؟، دخل عمار الغرفة عدت إلى نفسي ، اغلق الباب ، واسدل الستائر ، وأشعل نورا ورديا خافتا ، نظر نحوي ابتسمت وابتسم وكأنا نرى بعضنا للوهلة الاولى.
 طلع الصباح وشقشقت العصافير، دخلت الحمام وعمار مستغرق في النوم ، بعد قليل دق جرس الباب، ايقظت عمار من النوم ، هناك طارق على الباب ، قال عمار: اطلع النهار ، قلت : نعم ، ارتدى الروب وخرج ، وعاد وكنت أجهز بالقهوة ، ألست سيدة البيت، دخل المطبخ ومعه لفافة كبيرة ، قلت: ما هذا ؟ قال: طعام الافطار ، قلت: أدخل الحمام ، وستكون السفرة جاهزة ، فأنا ست بيت، ضحك وضحكت ودخل الحمام.
 تناولنا الافطار وتناولنا بعض الحديث ، وإذا بهاتفه يرن ، أهلا طارق ، نعم نعم ، بعد قليل سأكون عندك ، أشعل سيجارته ودخل يرتدي ملابسه، قلت له : أين ؟، قال: طارق مدير مكتبي حدثني عن زبون قادم للمكتب، قلت : الآن ، قال : نعم ، قلت : تتركني وحدي في يومي الاول ، قال: الهام مصالح ، صمت وضحكت وقلت : مصالح.
 غادر عمار البيت وانشغلت بترتيبه على أمل ان لا يطيل غيابه ، مرت الساعات ثقيلة في بيت لم اتعرف على أركانه شعرت بالضيق والملل، وقبل الخامسة مساء اتصلت به ، وقلت : أنتظرك على المائدة ، متى ستأتي؟ ، قال : لا عليك ، تناولي الطعام وعندما اعود سأتناوله أنا, سلام، قلت: سلام.
 جهزت نفسي كما تفعل النساء ، وانتظرت أمام التلفاز اقلب قنواته ودخل الليل بعتمته وأنا وحدي، قلت لنفسي: هذه هي حياتي طوال عمري وأنا وحدي ، دقائق وعاودت نفسي تحدثني وتقول: لكنك اليوم غير أمس ، أرهقني التفكير ، ذهبت إلى فراشي اتقلب دون نوم حتى انتصف الليل وإذا بصوت الباب يفتح ويغلق، وخطوات تقترب من غرفتي وإذا بالباب يفتح ، قلت : عمار ، قال : نعم ، قلت: الحمد لله على السلامة ، احضر لك طعاما ، قال : لا لقد أكلت.
 مرت السنين على هذا الحال انشغل وانشغلت ، وأنجبت الاولاد والبنات ، كبروا وكبرنا، وكبرت الهموم وازدادت الصراعات فيما بيننا على المصالح ، وانقسم الاولاد علينا منهم من هم معي ومنهم معه ، وبدأت المكائد والمؤامرات تحاك بيننا ونحن تحت سقف واحد، ثم انفصلنا وكل منا معه المال الكثير، ومن كان حولنا التفوا حولنا ، عندما يأتوا عندي يمدحونني ويصفوه بالخائن ، وعندما يذهبوا اليه يصفوني بالخائنة ، مصالح ، أليست الدنيا مصالح ، أليس هذا ما التقيت أنا وهو عليه، إنها المصالح.
 اشتد الخلاف واتسع الرقع على الراقع ، وكشف كل منا عورة الآخر وزاد الخلاف اختلفت المصالح ، وتآمرنا على بعضنا البعض، وجرت معارك القتل المعنوي وبعُدت المسافة بيننا، وحشد كل منا للآخر في انتظار الجولة الاخيرة ، تدخل الاولاد والبنات والقريب والغريب ليس حبا، فلم نبني حياتنا على الحب بنيناها على المصالح يوم التقينا، وتزوجنا على نفس المبدأ ، واليوم نتصارع على نفس المبدأ، ومن هم حولنا تربوا وعاشوا على نفس المبدأ.
 كثيرة محاولات المصالحة لأن الخلاف ليس على مبدأ ولكن على المصالح فهو اعمق ، اطلقت النيران من جهات كثيرة ، وتفرق الشتيتان وتربص بعضهما ببعض، ودقت الطبول ووضع كل منهما كيف التخلص من الآخر، وساعد اصحاب المصالح والمختلفون عليها ، وكانت حلبة الصراع واتسعت وكان النزال بالجهد والمال والاتباع ، يريد كل واحد أن يصرع الآخر ارضا، ونسي كلاهما أنهما مصروعان، وبدأ النزال بعد أن نادى كل منهما الانصار ، وضربت المباضع في الجسد المنهك ونزلا الحلبة والدماء تنزف وكأننا في مصارعة ثيران، والانصار اصحاب المصالح يتمنون الخلاص منهما، انتهت الجولة الاولى والثانية وفي الثالثة خسر كلاهما المعركة وبقي اصحاب المصالح ينتظرون زواج بين عمار والهام جديد مبني على ما تبقى من الانقاض على قاعدة المصالح.

0 التعليقات:

إرسال تعليق